مدير مؤسسة وطني الإمارات لـ«جسور بوست»: الرفاهية الاقتصادية ليست العامل الوحيد لتعزيز حقوق الإنسان
العالم بحاجة لقوانين وتدابير أكثر إنصافاً تضع الإنسان في صلب الأولويات
يأتي الإدراك المبكر لتحديات مجتمع متعدد الجنسيات يضم ملايين العمال الوافدين على رأس أسباب نجاح هذا المجتمع عبر تعزز حقوق العمال المكفولة في الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لعام 1990، وترجمة نصوص الاتفاقية في تشريعات وبرامج تضمن حقوق هذه الفئة وتحميها من أي انتهاكات.
وانتهجت عديد الدول العربية إصدار تشريعات تضمن حقوق العمال الأجانب، والتي كان من بينها دولة الإمارات التي قطعت شوطا كبيرا في هذا الاتجاه، بالمواءمة بين مصالح الدولة الوطنية، وبين التزاماتها بموجب معاهدات حقوق الإنسان.
وفي حوار خاص مع "جسور بوست" تحدث المدير التنفيذي لمؤسسة وطني الإمارات، ضرار بالهول الفلاسي، عن رؤية دولة الإمارات في التعاطي مع قضايا حقوق الإنسان، وأبرز التشريعات الوطنية التي تضمن حقوق الإنسان للمواطنين والمقيمين، وتوفير الحماية القانونية دون تمييز، ودبلوماسية المساعدات الإنسانية التي تنتهجها الإمارات خلال الأزمات المناخية والكوارث الطبيعية والحروب والنزاعات المسلحة.
وإلى نص الحوار:-
ما تقييمك لحالة حقوق الإنسان في دولة الإمارات العربية المتحدة؟
الإنسان هو المحور الأساسي للتنمية الشاملة والثروة الحقيقية للوطن، هذه ليست مجرد عبارة مجازية، بل حقيقة ثابتة لا تقوم إلا بتوفير بيئة تحترم حقوق الإنسان وتضمن كرامته في سبيل بناء مجتمع قادر على مواجهة التحديات وتحقيق النجاحات المستدامة، ومن هذه الرؤية انطلقت مسيرة تعزيز حقوق الإنسان داخل الإمارات.
في تقديرك.. هل القدرات المالية لأي دولة تدفع نحو تحسين حقوق المواطنين؟
الرفاهية الاقتصادية ليست العامل الوحيد لتحقيق هذه الغايات وبناء دولة منصفة وعادلة، فالوالد المؤسس لدولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قال إن "الثروة الحقيقية هي ثروة الرجال وليس المال والنفط، ولا فائدة في المال إذا لم يسخّر لخدمة الشعب".
وأكدت دولة الإمارات منذ تأسيسها أن ضمان حقوق الإنسان هو اللبنة الأساسية لتشكيل منظومة متكاملة تمكن المواطن والمقيم على حد سواء من تقديم المساهمة الفعالة في بناء الوطن والمستقبل، وحرصت على الاستمرار في تحسين الواقع المعيشي والاجتماعي للأفراد، انطلاقا من إيمانها بأن تمتع الإنسان بحقوقه يؤدي بلا شك إلى تحقيق التنمية المستدامة.
وبرهنت الدولة على أن التزامها بحقوق الإنسان ليس مسألة شكلية، بل هو نهج شامل يعزز مكانتها كدولة رائدة في المنطقة والعالم، إذ إن العدل والمساواة ليسا مجرد أهداف داخلية، بل مسؤولية دولية تتطلب الشجاعة والحكمة.
وماذا عن أوضاع العمالة الوافدة في دولة الإمارات؟
وضعت دولة الإمارات حقوق الإنسان في صميم استراتيجياتها وسياساتها ومبادراتها التنموية، معتمدة على منظومة تشريعية متينة تستند إلى تراث ثقافي عريق ودستور يضمن الحقوق والحريات المدنية للأفراد، وهو مبدأ شدد عليه الآباء المؤسسون وما زال مستمرا في ظل القيادة الحكيمة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.
والأهم من ذلك، أن هذه التشريعات لم تبقَ حبرا على ورق، بل ترجمت إلى واقع ملموس عبر سلسلة من القوانين والمراسيم التي عززت المساواة أمام القانون والعدالة الاجتماعية وعدم التمييز واحترام الآخر، حيث يحظى الفرد بالرعاية الواجبة ويلقى احتياجاته الأساسية، وبينما تبقى الكثير من الدول مجرد مستهلكة للأفكار الدولية، قدمت دولة الإمارات نموذجا مبتكرا في التعايش بين الثقافات ونشر قيم التسامح وتمكين المرأة، وحماية حقوق الأطفال والعمال، وهو أمر قلما يراه العالم في دول يعيش فوق أراضيها شريحة متنوعة من الجنسيات.
وكيف حققت الإمارات هذا التطور القانوني والتشريعي لخدمة حقوق الإنسان؟
في ظل الاهتمام الكبير الذي يحظى به ملف حقوق الإنسان في دولة الإمارات، تم إنشاء مجموعة من الهيئات والجمعيات والمنظمات المعنية بحماية هذه الحقوق، ومنها «الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان» وهي هيئة وطنية مستقلة تُعنى بالنهوض بواقع حقوق الإنسان لمختلف فئات المجتمع، وحماية وتعزيز حقوق الفرد وحرياته، ورصد ودراسة ومعالجة أي تجاوزات، ومتابعة الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك.
بينما يهدف «مكتب حقوق الإنسان» إلى ترسيخ سيادة القانون من خلال تعزيز فهم وتطبيق حقوق الإنسان وفقا للحقوق المنصوص عليها في دستور الدولة وقوانينها وطبقا للمبادئ التي أقرتها المواثيق الدولية.
وتؤدي «اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان» دورا محوريا في مساعي دولة الإمارات الرامية لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها، وتعمل بشكل وثيق مع المنظمات الحقوقية الدولية والدول الشريكة لدعم التقدم والازدهار للمجتمع العالمي، فضلا عن «جمعية الإمارات لحقوق الإنسان» وغيرها من الجهات والجمعيات والمؤسسات الحكومية والخاصة التي توثق رسالة الدولة وجهودها في مجال حقوق الإنسان.
برأيك.. كيف أثرت دبلوماسية المساعدات الإنسانية على الصورة الذهنية لدولة الإمارات عالميا؟
على الساحة الدولية، كانت دولة الإمارات ولا تزال لاعبا أساسيا في دعم حقوق الإنسان، ووقفت إلى جانب الشعوب المتضررة، مقدمةً الدعم والمساعدة الإنسانية، ومتحدثةً بصوت العقل في المنابر الدولية، والأمثلة على ذلك كثيرة، لكن ما يلفت الانتباه هو أن دولة الإمارات لا تكتفي فقط بتقديم المساعدات، بل تشارك أيضا في توقيع اتفاقيات والتزامات دولية تعزز قيم حقوق الإنسان على مستوى العالم.
وتحرص دولة الإمارات على أن تكون نصير المغلوب ومنجد المستغيث، حيث تقدم مساعدات إنسانية ملموسة وتسهم في دعم حقوق الشعوب المتأثرة بالأزمات والحروب وتعينهم على مواجهة التحديات المستمرة، وأبرزها جهودها المستمرة لدعم القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العربية والإقليمية والعالمية.
هل يعني هذا أن دولة الإمارات لديها نهجها الحقوقي الخاص بالتوازي مع القوانين والمعاهدات الدولية؟
نعم، ويبقى صوت دولة الإمارات عاليا في الدعوة إلى تحقيق العدالة والمساواة، لأن القضية لا تقتصر على الدعم المادي، بل هي التزام بالمبدأ، مبدأ أن الإنسانية تتطلب المحاسبة العادلة وتطبيق التشريعات الدولية بالتساوي على الجميع.
وبينما لا يزال العالم بحاجة إلى قوانين وتدابير أكثر إنصافا، تتجاوز المصالح السياسية وتضع الإنسان في صلب الأولويات، يبقى التزام دولة الإمارات بحقوق الإنسان فعلاً متجذراً في تاريخها وثقافتها، فعندما تأسست الدولة على مبادئ العدل والمساواة، كانت هذه المبادئ انعكاسا لقيم أصيلة لمجتمعها، وليست استجابة لضغوط خارجية أو متطلبات العصر الحديث.
ولماذا اتخذت دولة الإمارات هذا النهج الحقوقي الفريد؟
التاريخ يثبت أن الدول التي تضع الإنسان في قلب مشروعها الوطني تكون قادرة على تحقيق نجاحات تتجاوز حدودها الجغرافية والاقتصادية، لتكون دولة الإمارات نموذجا ناجحا يجسِّد كيف يمكن للدول أن تبني مستقبلا مزدهرا ومستداما يقوم على احترام حقوق الإنسان.